هل يصح عقد الزواج شرعاً عبر الإنترنت؟

محليات 11:26 29-11-2022

هكذا غيرت الحرب عادات السوريين بعد سفر عدد كبير من شبابها إلى بلاد الاغتراب بقصد البحث عن فرصة عمل أو اللجوء إلى مكان أكثر استقراراً وأماناً.
الزواج عبر الإنترنت حالة جديدة ظهرت وانتشرت، من خلالها يتم تزويج الشاب بموجب صك عقد وهو في بلاد الاغتراب من فتاة موجودة في سورية أو أي بلد.
بعد خطوبة قاربت أربع سنوات قرر فادي (اسم مستعار) المقيم خارج القطر إتمام إجراءات الزواج، وإحضار عروسه إلى البلد الذي يقطن فيه.
حفل بسيط
قررت أسرة العروسين إقامة حفل بسيط وداعاً للعروس التي ارتدت الفستان الأبيض لالتقاط صورة تذكارية، ولكن وحدها، فقد غاب العريس بسبب وجوده خارج القطر؛ هذه ليست قصة استثنائية لثنائي قرر الزواج عن بعد؛ حالات كثيرة دفعت بالأهل إلى القبول بعقد زواج عبر الإنترنت حيث يتواجد العريس.

الأفضل توكيل
ولكن هل يصح الزواج شرعاً عبر الإنترنت.. أسئلة كثيرة راودتنا عند إعداد هذه المادة الصحفية توجهنا بها إلى القاضي في المحكمة الشرعية في دمشق يحيى الخجا الذي بيّن في تصريح خاص لـ”تشرين” لدى سؤاله إن كان الزواج عبر الإنترنت يصح شرعاً فقال: هناك نقطة في أركان عقد الزواج وهي وجوب أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد بالألفاظ الشرعية؛ وهناك خلاف (هل يتحقق المجلس الواحد بالاتصال صوتاً وصورة أو عبر الهاتف؟) يجيب القاضي الشرعي: الأفضل وخروجاً من الخلاف ولأسباب قانونية وواقعية الشخص الموجود خارج القطر يوكل شخصاً موجوداً في المجلس، ولو بوكالة شفوية، هذا أفضل للخروج من الخلاف الفقهي، ومن الناحية الأخرى حتى يكون هناك شخص يمكن التعامل معه أو يكون (ضمانة) لأهل الزوجة الموجودين، أن هناك شخصاً من طرفه معروف يمكن أن يتبلغ، أو أن يكون شاهداً، أو يزودنا ببيانات هذا الشخص، لذلك فإن الأفضل دائماً شرعاً وقانوناً وعرفاً، ومن الناحية القانونية (الشخص إذا كان خارج البلد) عليه توكيل شخص في المجلس.
شروط العقد في المحكمة
إذا كانت هناك وكالتان عن الطرفين مصدقة أصولاً من الممكن أن يسجل هذا العقد بصك أي معاملة الزواج المعتادة، التي نسميها (خاطباً ومخطوبة) أو بتثبيت زواج إذا أرادوا أن ينسبوا الزواج لفترة سابقة، أو بدعوى في حال لم تكن هناك وكالات عن الطرف الموجود خارج القطر، يمكن للزوجة أن تقوم برفع دعوى على الزوج، وتقوم بتبليغه على موطن ذويه (موطنه الدائم) بالقطر، وتثبيت هذا الزواج بدعوى وهذه الحالة الغالبة.
الشهود في عقد الزواج
رجلان أو رجل وامرأتان هذا النصاب الشرعي للشهادة، وهناك ثلاث حالات يتم من خلالها عقد الزواج في المحكمة بشكل رسمي وهي:
خاطب ومخطوبة وهو العقد الذي يتم من خلاله عقد العقد في المحكمة ابتداءً، وهو ما نسميه (صك الزواج العادي).
تثبيت إداري يتم بمعاملة إدارية من دون تسجيل دعوى، ومن خلاله يحضر الزوجان إلى المحكمة ويقرّان بأنهما عقدا عقدهما خارج المحكمة وتزوجا، وحدثت واقعة الحمل، وبالتالي يصدّق الزواج ويحضران معرفين، ويتم تثبيت الزواج المعقود خارج المحكمة عن طريق وثيقة تمنحها المحكمة الشرعية.

لا شيء مستقبلاً يمنع طباعة هذا العقد وإفراغه في صك إلكتروني

وهناك حالة؛ عندما يكون الزوج أو أحد الطرفين غير موجود أو ناكلاً (والناكل هو من يريد التهرب من تثبيت العقد)، وفي هذه الحالة يتم رفع دعوى عن طريق الطرف الحاضر على الطرف الآخر، أو الناكل ويتم تثبيت الدعوى بمواجهته وتبليغه.
عقود يومية
في المحكمة الشرعية في دمشق يومياً لدينا ٤٠ عقد صك خاطب ومخطوبة، وتقريباً العدد نفسه تثبيت زواج بوثيقة، وبدعوى وحوالي ٦٠ تثبيت مابين وثيقة تثبيت أو تثبيت بدعوى، أي حوالي ١٠٠ عقد بين خاطب ومخطوبة وتثبيت وصك زواج، أما عن نسبة من هم خارج القطر قال القاضي الشرعي: النسبة كبيرة ولا توجد حالياً إحصاءات دقيقة.
وفي معرض حديثه بيّن القاضي الخجا: عقد الزواج الشرعي له أركان وشروط محددة؛ صحيح أن القانون والشرع يعدّان أن عقد الزواج في الشريعة الإسلامية هو عقد رضائي له صبغة دينية؛ بمعنى؛ لا يحتاج طقوساً دينية معينة، كما في بعض الديانات الأخرى، ولا يحتاج أموراً شكلية كأن يثبت في صك أو غير ذلك؛ لذلك هو من هذه الوجهة له صيغة دينية.. عقد الزواج له شروط منها تبادل الألفاظ الشرعية الخاصة بالزواج، واتحاد مجلس العقد واتصال الإيجاب بالقبول؛ وهذه الأمور كلها لا يتصور معها أن يتم العقد بما هو متعارف عليه بتوقيع إلكتروني، لأن عقد الزواج له قدسيته ومكانته الخاصة في النفوس، وله شروط وأركان يجب مراعاتها لدى إبرامه.
المعاملات الإلكترونية

وأوضح القاضي الخجا في نهاية حديثه: ما ذكرناه لا يغلق الباب أمام ما قد يتصور في قادمات الأيام أن تصبح المعاملات إلكترونية وكتوقيع إلكتروني في إثبات عقد ما أو إنشاء صك ما؛ قد يكون الصك المثبت لعقد الزواج؛ لكن عقد الزواج في حد ذاته حين توثيقه يجب أن يتم بالشكل الشرعي وبالألفاظ الشرعية، وما يتوافق مع ماهية العقد وشروطه وأركانه الشرعية، ولكن ربما يكون هناك تبادل ألفاظ شرعية واتحاد مجلس.
ولا شيء يمنع مستقبلاً من طباعة هذا العقد وإفراغه في صك إلكتروني، ليتم حفظه وتداوله وتناوله فيما بعد، لكن هذا لن يكون بديلاً عن الألفاظ الشرعية للزواج كما فصّلنا.

تأثيرات الزواج
د.جهاد دياب الناقولا علم اجتماع عائلي في كلية الآداب الثانية بيّن تأثيرات الزواج عبر الإنترنت فقال: العالم افتراضي خيالي، لذلك مادام الزواج سيكون في عالم غير واقعي، فإن موضوع الزواج سيكون محفوفاً بالمخاطر.
على سبيل المثال: لا يوجد شيء يضمن أن يكون جنس الشخص صحيحاً؛ فغالباً من يعجز عن الزواج بصورة صحيحة يلجأ إلى طرق غير صحيحة ويتساءل د.الناقولا لماذا لا نشجع الزواج على طبيعته؟

الزواج في العالم الافتراضي سيكون محفوفاً بالمخاطر

الزواج حقيقة غير مرتبط بالشريكين حتى ينجح؛ حتى يستمر فهو يحتاج بيئة اجتماعية مناسبة، أي التفاعلات الاجتماعية-أهل الزوجين- فكثيرة هي حالات الزواج الطبيعي التي فشلت بسبب عدم وجود الظروف الاجتماعية المناسبة لنجاح هذه المؤسسة.
مثلاً: اليوم نلاحظ في أسرة الزوج أو الزوجة إذا تواجدت حالات طلاق فهذه الحال ستنعكس على حالات الزواج، فكيف إذا كان الزواج عبر الإنترنت؟

معيار اختيار الزوجين
الاختيار الطبيعي للزوجين هو الذي يبنى على فترة الخطوبة، وهي مرحلة تعارف الخاطبين على بعضهما، من حيث الشكل- المضمون- الحديث- العادات والتقاليد؛ فمعيار الاختيار-الكلام للدكتور الناقولا- إذا لم يكن عن قرب فهو يهدد نهاية الحياة الزوجية وفشلها (وأقصد العلاقة التي تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي).

ديمومة الزواج
في حال زواج الشخص وهو خارج القطر كما نرى اليوم في مجتمعاتنا نتيجة الهجرة التي شهدناها؛ حالات كهذه يمكن أن تكون أخف وطأة لأن الشاب قد يكون على معرفة بالفتاة وأهلها وعاداتهم وظروفهم والمحيط الاجتماعي؛ هذه العلاقة برأي د. الناقولا أنجح من العلاقات التي تكون على غير معرفة، أو الشريكان لا يعرفان بعضهما إلّا عن طريق التواصل الاجتماعي؛ لأن فهم ظروف العائلتين يؤدي في خاتمة الأمر إلى نجاح العلاقة، وبالتالي تكوين أسرة مثالية بعيدة عن المشكلات والمشاحنات.