متى نخرج من الدائرة المفرغة.. تحسن الاقتصاد والليرة رهن الإنتاج وتحسن الإنتاج يحتاج تفكيراً من خارج الصندوق

اقتصاد سورية 11:11 27-11-2022

لا يمكن للوضع الاقتصادي عموماً والليرة خصوصاً أن يتحسن من دون تحسن الإنتاج، ولا يمكن للإنتاج أن يتحسن ضمن الظروف الاقتصادية الحالية والارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج وصعوبة المنافسة والتصدير وانخفاض القدرة الشرائية!
حتى الآن لا توجد حلول من خارج الصندوق الذي يؤطر الواقع الاقتصادي، وهذا يعني أنه لا تغيير في النتائج، ولا مخرج من الدائرة!
لأبعد الحدود
الخبير الاقتصادي د. شفيق عربش يقدم تشخيصاً ومن ثم اقتراح علاج لما نحن فيه.. فهو يقدر الإنتاج في سورية بأنه دون حدوده الدنيا، لأن جميع المنشآت الإنتاجية تعاني من عدة مشكلات في مقدمتها توفر حوامل الطاقة، وديمومة التوفر والأسعار التي تتوفر فيها حسب قوله.
ويشير في تصريحه لـ ” تشرين” إلى أن معظم المنشآت التي تعمل تتوجه للسوق السوداء لتأمين احتياجاتها من مواد الطاقة، وهذا يجعل الإنتاج في حدوده الدنيا، لأن التكاليف مرتفعة جداً والقدرة الشرائية منخفضة لأبعد الحدود.
وهذا الأمر أثر في وضع الليرة السورية، وأشار إلى عدم وجود أي أرقام عن نسب التراجع في قيمة الليرة السورية، وأن انخفاض القوة الشرائية ناتج عن انخفاض سعر صرف الليرة مقابل سلة العملات.
تكاليف كبيرة
وأضاف عربش أننا الآن غير قادرين على التصدير، لأن تكاليف الإنتاج وأسعار السلع المنتجة في سورية – إن وجد منها فائض للتصدير- مرتفعة، الأمر الذي يجعل تصديرها صعباً أو مستحيلاً، لأن التصدير يتم عندما تتمكن السلع من المنافسة..
وأشار عربش إلى أن مستلزمات عوامل الإنتاج غير متوفرة ولا بدّ من استيرادها، والاستيراد يحتاج إلى قطع، والقطع نادر، ثم أن البنك المركزي تخلى عن تمويل جزء كبير من المستوردات.

                                        ارتفاع تكاليف الإنتاج يعود إلى ارتفاع أسعار مستلزماته الرئيسة

التي يشتريها المزارع من السوق السوداء بأضعاف سعرها النظامي

 

يضيف عربش أن هناك عوامل إضافية تؤثر في الإنتاج كالضرائب والرسوم الجمركية وأسعار حوامل الطاقة وأجور العمالة الماهرة.
استراتيجية سليمة
يطرح عربش حلولاً تتمثل في وضع استراتيجية سليمة، على ألا تكون حكراً على الحكومة، إذ لا بد من التشاركية مع المنتجين في سورية لدراسة مشكلاتهم، والتعرف على تلك المشكلات بشكل دقيق، والتحاور معهم ومعرفة آرائهم في حلول هذه المشكلات، ومن ثم إطلاق العملية الإنتاجية.
وطرح عربش فكرة انسحاب الدولة من دور المنتج، لأننا نعاني من فشل معظم مؤسسات القطاع العام حسب رأيه، ويرى أننا نحتاج خطة دقيقة ومحكمة وقابلة للتنفيذ، وليست خلبية كتلك التي نسمعها بشكل أسبوعي حسب قوله.
وطالب بانسحاب الدولة من العملية الإنتاجية، وأن تمارس دورها الحقيقي في خلق البيئة التنافسية المناسبة، بحيث يؤدي التنافس وتأمين العرض الكبير من المواد إلى انخفاض الأسعار بالشكل المعقول.. فنحن الآن نعيش فوضى أسعار عارمة تعود لعوامل عديدة بعضها خارجي وبعضها مرتبط بالخصوصية السورية كما أضاف..

انسحاب الدولة من دور المنتج لأننا نعاني من فشل معظم مؤسسات القطاع العام الإنتاجي

ومن العوامل الخارجية يقول عربش إنها بدأت منذ انتشار كورونا وحتى الآن، حيث أثرت كثيراً، وتسببت في توقف معامل عن الإنتاج، واختلال سلاسل التوريد، كما ارتفعت أجور النقل بشكل كبير وصل إلى 6 أضعاف.
تبقى مرتفعة
وقال عربش: إن الأسعار العالمية الآن تميل للانخفاض، لكن أي انخفاض في العالم لا يؤدي إلى انخفاض على المستوى المحلي، وأي ارتفاع في التكاليف والأسعار العالمية يؤدي إلى ارتفاع هنا وبنسب أكبر!
وبين أن سورية تعاني نوعين من التضخم: المستورد الناتج عن استيراد المواد الأولية، والسلع من الخارج، وكذلك التضخم الداخلي الناتج بشكل أساسي عن انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية.
وخلص إلى حلّ يراه في وضع استراتيجية قابلة للتنفيذ مع جميع مستلزمات تنفيذها لإطلاق العملية الإنتاجية، ومن ثم خلق التنافسية المناسبة، من خلال القوانين الاقتصادية، لكي تنتعش الأسواق ويصبح في إمكاننا القدرة على التصدير، لأن هذا مورد يؤدي إلى تأمين القطع، وكلما استطاعت سورية أن تحصل على قطع أجنبي أدى ذلك لتعزيز قيمة الليرة، وبالتالي قدرتها الشرائية يختم عربش.
للزراعة قصصها
لمشكلات الإنتاج الزراعي وقع مختلف، لأن اقتصاد البلد يقوم على هذا الإنتاج بالدرجة الأولى، ولكن مشكلاته أيضاً كثيرة أثرت في الإنتاج أيضاً.

ويرى عضو مكتب اتحاد الغرف الزراعية السورية الدكتور مجد أيوب قال لـ”تشرين”، أن ضعف الإنتاج يؤدي إلى تراجع أو تباطؤ عجلة الاقتصاد في الدولة عموماً، وبالتالي تراجع قيمة العملة فيها وارتفاع معدلات التضخم بسبب استيراد الاحتياجات من الخارج، وهذا ليس بالشيء الجديد بل هو من بدهيات علم الاقتصاد كما يقول أيوب..
ويضيف، أنه مخطئ من يعتقد أن هناك تراجعاً كبيراً في حجم الإنتاج الزراعي في سورية، خاصة بعد تحرير مساحات كبيرة من الأراضي.
وأنه تكفي زيارة لسوق الجملة أو سوق الهال في أي محافظة لتأكيد قوله، وأن هذا ما شعرنا به جميعنا خلال السنوات الصعبة الماضية، حيث لم يكن هناك فقدان كبير للمواد الزراعية من الأسواق.
حلقات كثيرة
لكنه يرى أن ارتفاع تكاليف الإنتاج يعود إلى ارتفاع أسعار مستلزماته الرئيسة من بذار وأسمدة وأدوية وكهرباء والمحروقات التي يشتريها المزارع من السوق السوداء بأضعاف سعرها النظامي، وما يتبعها من تكاليف الفلاحة والعمليات الزراعية الأخرى كالمكننة وتكاليف الري وكذلك أجور العمالة التي ارتفعت مع ارتفاع كل الأسعار وزيادة التضخم.
أضاف أيوب أنه يتبع ارتفاع سعر المحروقات وعدم توفرها ارتفاع أجور النقل، خاصة مع النفقات المسددة على الطرقات عند نقل الإنتاج من المزرعة إلى أسواق الجملة. وكل هذا أدى إلى زيادة التكاليف، وبالتالي أسعار المنتجات الزراعية، ووصول بعضها إلى حدود غير مناسبة للمستهلكين، وخاصة ذوي الدخل المحدود.
ويضاف إلى ذلك القرارات التي تصدر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمتضمنة رفع أسعار بعض المواد الاستهلاكية الضرورية، كالقرار الصادر مؤخراً برفع أسعار السكر والزيت النباتي والبرغل وغيرها.
حال متشابه
وقال أيوب: إن واقع الإنتاج الصناعي لا يختلف كثيراً، فالصناعة السورية هي صناعة تحويلية بشكل رئيسي، وجزء كبير منها يعتمد على الإنتاج الزراعي الذي ارتفع سعره كثيراً.
ويعاني الصناعيون من مشكلات المحروقات والكهرباء وكذلك الضرائب والرسوم الكبيرة المفروضة عليهم سواء عند استيراد مستلزماتهم، أو عند تصدير منتجاتهم.
خيار وحيد
أضاف أيوب أنه ليس لدى المزارع وسيلة أخرى للعيش سوى أرضه وما تنتجه، وهي ما زالت تحقق له إيراداً مقبولاً بالرغم من شكواه الدائمة، فلا أحد يستمر في إنتاج سلعة معينة لعدة سنوات وهي خاسرة بل يعمد إلى استبدالها، ويعتقد أن هذا ما لم يفعله الجزء الأكبر من المنتجين الزراعيين، لأن ارتفاع التكاليف واكبه ارتفاع في الأسعار سواء في أرض المزرعة أو في أسواق الجملة.
الثروة الحيوانية
وأشار أيوب إلى أن وضع مربي الثروة الحيوانية أكثر صعوبة، حيث تأثروا كثيراً بارتفاع أسعار الأعلاف والمحروقات، سواء مربي الأبقار والأغنام، أو مربي الدواجن، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعات كبيرة جداً في أسعار الحليب ومشتقاته والبيض واللحوم الحمراء والبيضاء، وبين أن ارتفاع أسعار الأعلاف يعود إلى حصر استيرادها بأشخاص محددين! ما سمح لهم بالاستفادة من هذا الحصر ورفع الأسعار كما يحلو لهم، ولكن رغم ذلك فما زال عدد كبير منهم مستمراً في التربية والإنتاج.
عثرة التسويق
وذكر أيوب أن المشكلة الرئيسة التي تواجه الإنتاج الزراعي أو الصناعي حالياً هي إمكانات تسويق هذا الإنتاج، خاصةً بعد إغلاق حدود كثير من الدول التي كانت تعدّ أسواقاً رئيسة له، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل الجوي والبحري إلى الدول الصديقة.
واقع محلي
أما على المستوى الداخلي، فواجهت المنتجات الوطنية صعوبة في التسويق بشكل كبير بعد ارتفاع أسعارها، وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك بسبب عدم مواكبة الأجور للتضخم والأسعار.
ووصف أيوب الإنتاج الزراعي السوري بأنه كان ولا يزال الداعم الرئيس للاقتصاد السوري، وكان هذا الدعم يأتي من تصديره طازجاً أو مصنعاً إلى دول الجوار.

وهذا كان السبب المباشر والرئيس في صمود الاقتصاد السوري وانخفاض سعر الصرف، أو بعبارة أخرى قوة الليرة السورية عبر تأمين كمية من القطع الأجنبي إلى الأسواق الداخلية استخدمت لدعم الليرة السورية ولتسديد قيمة المستوردات حسب أيوب.
ويضيف: إن ظروف الحرب الداخلية وخروج مساحات كبيرة عن سيطرة الدولة سمح بتهريب نسبة من هذا الإنتاج، وكذلك إغلاق الحدود أمام الصادرات والعقوبات المفروضة على سورية.
قرارات غير مناسبة

يضاف لكل ذلك، كما يقول أيوب، اتخاذ مجموعة من القرارات غير المناسبة التي اتخذتها الحكومات السورية المتعاقبة في هذه الفترة، وكذلك الاعتماد على أشخاص معينين لاستيراد المستلزمات الأساسية للعمل الزراعي بشقيه النباتي والحيواني أو لتصدير ما يمكن من المنتجات الزراعية أدى إلى تراجع حجم الصادرات، وبالتالي ارتفاع أسعار هذا الإنتاج في السوق المحلية، فمن المعروف أن سعر المادة في الأسواق المستهدفة أعلى من سعرها في السوق المحلية، ما يسمح للمنتجين بتخفيض أسعارهم داخلياً وتغطية خسائرهم في حال وجودها، أو عند البيع داخلياً بأقل من التكلفة، وبالتالي بقاء المواد بتناول المستهلك الداخلي بأسعار تتناسب مع دخله.
متسرعة وغير مدروسة
ويرى أيوب أن هناك بعض قرارات منع التصدير وصفها بالمتسرعة وغير المدروسة لبعض المنتجات كما حدث هذا العام للبصل والثوم أو البندورة في أعوام سابقة تسببت في تراكم الإنتاج في السوق المحلية، وخسارة المنتجين لحين السماح بإعادة التصدير، وهذا كان له دور كبير في تذبذب الأسعار من دون تقديم دعم فعلي سواء للمستهلك أو للاقتصاد الوطني.

تشرين