“في بيتنا طبيب” لوثة جنوح اجتماعي عنيدة ..!!

هموم الطلاب 13:40 03-11-2022

مجدداً تبددت آمال الكثير من الطلاب بعد صدور نتائج مفاضلة التعليم الموازي، التي علق عليها الكثيرون الآمال لدخول فروع في الجامعة، لم تتح لهم المفاضلة العامة دخولها.

لم يكن الطلبة وذووهم يعتقدون أن المعدلات لمفاضلة الموازي ستكون مرتفعة هذا العام، كما أشار بعضهم في حديثه لـ(تشرين) إذ قال أحد الطلبة: كنت أحلم بدراسة الهندسة البحرية، ولم أوفق بالحصول على المعدل المطلوب، والآن سأدرس فرعاً لم أكن أود دراسته، وهو التجارة والاقتصاد، ولا أعتقد أنني سأستمر به، لأنه ليس ضمن طموحاتي.

وأضاف آخر: كنت أرغب بدراسة الهندسة المعلوماتية، لكن معدلي يسمح لي بدراسة الطب في الجامعة الخاصة، وهذه رغبة أهلي وسأحقق لهم رغبتهم.

أبعدتنا عن رغباتنا

بينما قالت الطالبة جنى: المعدلات هذا العام أبعدتنا عن رغباتنا، وأصبحنا مجبرين على دراسة فروع ليس لها مكان في المجتمع.

لتضيف إحدى الأمهات: سأضطر لتسجيل ابنتي في جامعة خاصة لدراسة الطب، لأن معدلات المفاضلتين العامة والموازي لم تلب رغبة وطموح العائلة بدراسة الطب، رغم أنها تفضل دراسة التجارة، ولكنني أرى دراسة أي مجال في الطب مستقبله أفضل اجتماعياً ومهنياً للإنسان، وما عداه غير مناسب في المجتمع.

أمام هذا الواقع يبقى السؤال كيف يمكن أن تتبدد هذه النظرة السلبية للاختصاصات الجامعية, ونجعل الطالب مبدعاً ومتميزاً في أي مجال يدرسه؟

الأهل رسخوا الفكرة

موضوع القبول الجامعي واختيار التخصصات التي يرغب بها الطالب وذووه موضوع مهم وحساس كما تراه الباحثة في القضايا التربوية والاجتماعية الدكتورة سلوى شعبان وتضيف: إن الامتعاض والتأفف في حال عدم القبول في تخصصات وكليات كالتحضيرية، أو الهندسات وغيرها وانتظار مفاضلة الموازي، وإن خاب الأمل فيها كان التوجه للجامعات الخاصة، وهم يحملون الملايين ليسجلوا أبناءهم موضوع جداً حساس، لأنه مرتبط بآمال وأحلام الطلبة والأهل، الذين لعبوا الدور الأكبر في ترسيخ فكرة التفوق والنجاح والتميز، لمن يُقبل بالكليات الطبية وما شابه، وفي ظنهم ووفق الصورة النمطية السلبية التي عششت في عقولهم، وعقول معظم أفراد المجتمع، أن الأبناء هم صورة الحلم الوردي المرسوم في خيالات الأهل، لتحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه هم في بداية حياتهم، أو قد يكون استمرارية لما هم عليه من مهن.

وتشير الباحثة التربوية أن قسماً كبيراً من أفراد المجتمع ينظر لمن قُبل في هذه الكليات أنه المتميز الذكي، والناجح دوماً متناسين أهمية باقي الاختصاصات والكليات، التي ترفد المجتمعات بأفضل وأمهر المبدعين، فالحضارة متشعبة، إذ تبنى بهمة كل مجتهد في أي اختصاص، فنحن بحاجة للمهندس والمحامي والمعلم والموسيقي، والمحاسب والرياضي والفنان والطباخ والتاجر والصناعي والمزارع، وكل في مهنته مميز، وفي اختصاصه عمود من أعمدة التطور والحياة، ولا يصلح المجتمع ولا يتقدم من دون وجود هذه التوليفة العلمية والاجتماعية التي تضمن الاستمرارية والوجود.

رغبات وأحلام اندثرت

تتابع شعبان قولها: فكم من حديث دار في مجالس عندما يُسأل أحدهم ماذا يدرس أبناؤك؟ فالجواب عند من ينقصه الوعي، ولا يعرف مقومات التطور والحياة، يكون بالتباهي والتفاخر بأن ابنه أو ابنته يدرس الطب، حتى لو كان في جامعة خاصة أو بالتعليم الموازي، ويكلفه ذلك المبلغ الكبير، المهم أن نعلن بأفواهنا أن في بيتنا طبيب، وهذا طبعاً يسر الجميع، لكن كم من الرغبات والأحلام والميول لدى الطلبة الناجحين بالثانوية العامة دثرت، وتلاشت أمام إجبار الأهل على دخول فرع لا يتناسب مع مقومات الابن ومهاراته وفكره وميوله، وكم من فشل كبير حصدناه بعد التخرج، وفي الحياة العملية، وكان مدعاة للسخرية لأطباء أو مهندسين أو محامين درسوا هذه الاختصاصات تلبية لرغبة الأهل، وطمعاً في توريث مهنة تدر عليهم المال، وكأن الأبناء يبرمجون آلياً ليكونوا وفق الطلب، وكم من مشاكل عائلية ونفسية حصلت، وردات فعل سلبية تطورت لأمراض في نفوس هؤلاء الأبناء، لأنهم لم يسيروا في طريق ميولهم وإمكاناتهم الفكرية..

وتؤكد شعبان أنه لابد من تغيير هذه النظرة الخاطئة، وهذا التقييم الخاطئ الذي يقضي على تأملات الأبناء وآمالهم في اختيار ما يريدون، وتبديد فكرة أن من يدرس التربية أو المحاماة أو الجغرافيا أو التاريخ أو الفيزياء وغيرها.. لا يقل عقله عن غيره ولا ينقصه الوعي والإمكانات.

الصناعيون والفنانون أبدعوا

وتضيف: انظروا وتابعوا عالمياً تلك الأسماء من بلادي التي وصلت للعالمية، في كافة المجالات، وحصدت تلك الجوائز والميداليات، ورفعت اسم سورية عالياً من أطباء ومهندسين ومبرمجين وفنانين وصناعيين، فصناعيو حلب أدهشوا العالم الصناعي وشركات السيارات والمحركات العالمية لما أبدعوا به، ولوحات الفنانين السوريين التشكيليين معروضة بأعظم المعارض ودور الفن والعواصم الدولية، وكانت آخر تلك الإبداعات للمهندس السوري المبرمج الذي حصد الجائزة الكبرى في دبي.

وتؤكد شعبان أننا مطالبون عبر الندوات والمحاضرات وعبر الإعلام وبرامجه التربوية البناءة والهادفة بتعزيز وإلقاء الضوء على كيفية مساعدة أبنائنا باختيار ما يحبون وما يجدون أنفسهم ناجحين به، وتقديم كل الدعم لكل ما يتجهون لأجله، فالعقل يفكر ويعمل وينتج عند كل البشر، والذكي والناجح هو من يعرف ويختار ويتمسك بما يريد.

تشرين