بقلم: أ.د. حيان أحمد سلمان
بدأت أزمة الديون العالمية تلقي بظلالها السوداء على كل الدول وخاصة الفقيرة منها وأصبحت بتداعياتها الحالية والمستقبلية خطراً اقتصادياً يهدد الاقتصاد العالمي، وتتوقع أغلب المؤسسات المالية العالمية انفجار أزمة الديون سواء السيادية أي على الحكومات أو ديون الشركات ولاسيما بعد أن تجاوزت /305/ تريليونات دولار سنة /2023 / بما يعادل نحو /3/ أضعاف قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالميGDP، وتتفاقم المشكلة مع عجز الكثير من الدول عن سداد فوائد وأقساط الديون وخاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية بهدف سحب السيولة من السوق لكبح جماح التضخم الذي بلغ معدلات لم يشهدها العالم منذ /40/ سنة، وهذا أدى إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة الأزمات من (غذائية وطاقوية ومناخية وسوق السلع والبورصات العالمية وتراجع سلاسل التوريد وزيادة بؤر التوتر والحروب التجارية وخاصة بين الصين وأمريكا والصراعات السياسية والعسكرية وخاصة بين روسيا ودول الناتو وارتفاع تكلفة الإقراض والائتمان المصرفي وتراجع أسواق السندات و زيادة فوضى الأسواق المالية والديون المشكوك في تحصيلها وتراجع التصنيف الائتماني للكثير من دول العالم والركود التضخمي وزيادة سباق التسلح والاحترار المناخي وزيادة معدلات الهجرة وخاصة غير الشرعية…إلخ)، وأكدت مجلة ( الأيكونومست) في تقرير لها أن /53/ دولة تواجه خطر الإفلاس، نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر [ أوكرانيا- أثيوبيا- السلفادور- تونس- غانا- مصر – كينيا – الغابون – باكستان- الأرجنتين- أنغولا…إلخ ]، كما أن الدول المتطورة تشهد ارتفاعات غير مسبوقة في قيمة الديون عليها مثل ( أمريكا والصين واليابان واليونان وإيطاليا وغيرها ) ، فهل أزمة الديون العالمية تمهد لحصول ( شرارة ) اقتصادية عالمية تؤدي إلى تفاقم الأزمات التي نشهدها حالياً؟
في ظل هذا الواقع وتلبية لدعوة الرئيس الفرنسي ( إيمانويل ماكرون ) عقدت قمة في باريس ولمدة يومين بتاريخ 21و22/6/2023 بين دول العالم الغنية والفقيرة أو ( دول الشمال والجنوب ) كما أطلق عليها هذا المصطلح منذ سبعينيات القرن الماضي، وحضر القمة أكثر من /50/ رئيس دولة، والهدف الفرنسي المعلن هو الوصول إلى نظام مالي عالمي جديد لتجاوز مشكلة الديون والفقر وأزمة المناخ وغيرها من الأهداف بما فيها إعادة النظر في آلية عمل كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والمفاجأة كانت أنه بعد القمة تبين أن الهدف الفرنسي هو (خدعة اقتصادية) كبيرة تتجسد في تشجيع دول العالم للوقوف ضد روسيا في حربها مع الناتو، وخاصة أن أغلب دول العالم لم تلبِّ طلبات دول الناتو بمقاطعة روسيا ، بل بالعكس وثقت علاقاتها معها وطالبت /19/ دولة من مختلف قارات العالم خلال انعقاد مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة البريكس في جنوب أفريقيا بتاريخ 1و2/6/2023 لقبولها كأعضاء في المجموعة، وتساءل الكثير من المراقبين: كيف نسي أو تناسى الرئيس الفرنسي مشاكل العالم وركّز على أن كل هذه المشاكل هي بسبب الحرب (الروسية الأوكرانية)؟!،ولم يذكر أي كلمة عن عمليات الإفقار التي مارستها فرنسا في الدول التي استعمرتها والأعمال التي تقوم بها حالياً في القارة السمراء وكانت سبباً أساسياً في سرقة مواردها وإفقارها ومن ثم تراكم ديونها، بينما بادرت روسيا لإمداد الدول الفقيرة بالقمح والمنتجات الغذائية الأخرى وتدفق الاستثمارات وتطوير البنية التحتية وتأسيس المشاريع الاقتصادية على مبدأ (رابح– رابح) وأكثر من هذا أكد أن إلغاء الديون على الدول الفقيرة لا يمثل حلاً على المدى الطويل حيث قال [قلنا لجميع المقرضين إننا سنقوم بإلغاء الديون، فإننا لن نجد مقرضاً لتقديم أموال لهذه الدول مستقبلاً. علينا توفير نماذج قابلة للاستدامة وإعادة هيكلة هذه الديون] وتبين أن حقيقة دعواه بعيدة عن ظاهرها حيث قال:(في الماضي عندما قمنا بإلغاء هذه الديون، ذهبت هذه الدول للاقتراض من الصين. وينبغي التخلي عن هذه الديون عندما تقوم هذه الدول بالإصلاحات).
واستمر في ادعاءاته التضليلية حيث قال ( إنّ روسيا تعيش عزلة دولية) ، وهنا نسأل ألم يرَ المؤتمرات الدولية التي عقدت في روسيا ودورها المتصاعد على الساحة العالمية وزيادة علاقاتها مع دول العالم بتحالفات مثل ( الاتحاد الأوراسي وبريكس وشنغهاي ومع دول أمريكا اللاتينية والقارة الأفريقية وآسيا والكثير من الدول الأوروبية أيضاً] ،وأيده في ذلك رئيس البنك الدولي السيد (ديفيد ما لباس) الذي حمّل الدول النامية مسؤولية سوء الأوضاع الاقتصادية بقوله [إنّ إيجاد حلول لتخفيض الديون أمر مهم للبلدان المقترضة، لخفض العبء الثقيل عليها، الذي إن استمر فستتضرر الاقتصادات المتقدمة كذلك، من حيث زيادة تدفقات الهجرة إليها]، فهل بدأت الدول الغربية بتقاذف التهم بدلاً من معالجة جوهر المشاكل وربط السبب بالنتيجة، أو العلة بالمعلول، نعم إنها بدايات ولادة نظام عالمي جديد ونقول للسيد (ماكرون) كما في أمثالنا الشعبية (ماهكذا تورد الإبل يا سعد عفواً يا سيادة الرئيس الفرنسي).
- تشرين-