الآن ، وقد انتهت " همروجة " الاحتفال بعيد الصحفيين السوريين ، التي أسمعهم فيها المسؤولون قصائد الغزل والمديح ، التي تتكرر هي ذاتها في كل 15 آب ، وانصرفت جموع الصحفيين إلى مؤسساتها لتعمل كالمعتاد ، بأدنى شروط العمل وأسباب الحياة ، يمكننا القول : بلى ، يمكن للإسكافي أن يظل حافيًا ، وللحائك أن يبقى عريانًا ، وباب النجار مخلوعًا ، إذا ما انعدمت الوسائل والإمكانات التي تؤمن للإسكافي نعلًا ، يحمي به قدميه من وعورة الطرقات ، و وللحائك ثوبًا يستر جسده ، وللنجار مسامير يصلح بها بابه !. بل ويمكننا استحضار الكثير من الأمثلة الشعبية التي تدل - بما تحمله من معاني التعتير والبؤس والشقاء - وإطلاقها على حال الصحفيين السوريين ، الذين تعاملهم الحكومة معاملة أولاد الجارية لا الست ، رغم أنهم محسوبون عليها ، ويلامون جماهيريًا على ذلك !. فالناس تعتقد أن كلمة الصحفي مسموعة لدى الحكومة ، وأنها تربت على كتفيه كل صباح وتبوسه بين عينيه ، وتعطيه مصروفه اليومي أو الشهري بما يكفيه للعيش بنعمة ، ومن دون أن يضطر للعمل بأي عمل آخر ليسد رمقه ويتمكن من إعالة أسرته . وأنها تنفق عليه في سرائه وضرائه ، وتدعمه بالبنزين إذا كان يمتلك سيارة ، وبمازوت التدفئة بالشتاء القارس ، ليحمي أصابعه من البرد ، وأنها تدعم اتحاده بما يكفيه لتغطية شؤون كل الصحفيين وخصوصًا بالمجال الصحي . وقد تستغرب الناس أن كل ذلك مجرد تمنيات أو أحلام ، وأن الصحفي الحقيقي أكثر الفئات الموظفة بالدولة ظلمًا ، وأن نقابته أقل النقابات دعمًا حكوميًّا !. وهو ما يثير الريبة فعلًا ، في تعامل الحكومة بهذا الشكل المفرط بالتهميش للصحفيين واتحادهم !. هذا التهميش الذي يتجلى بتطنيشها على الاستجابة لمطالبهم بل لحقوقهم البسيطة ، التي تتردد كل عام في مؤتمراتهم السنوية واجتماعاتهم الشهرية ، ولقاءاتهم مع أطرافها ، حتى بات تكرارها مملًا ومقيتًا . ولعل تعويض طبيعة العمل الصحفي هو خير مثال على ازدراء الحكومة للصحفيين وتطنيشها على مطالبات ومناشدات اتحادهم !. والأنكى من كل هذا أن الحكومة أقرت العديد من القرارات لتحسين تعويضات ومداخيل العديد من القطاعات والفئات الوظيفية ، والنقابات المهنية ، ولكنها لم تلتفت قط باتجاه الصحفيين ، ولم تهتم لأمرهم وكأنهم ليسوا من هذا الوطن ، ولا يعانون كما يعاني جميع موظفيه !. وكأنها لا تعرف أن مهنتهم مصنفة عالميًا من أخطر المهن بعد عمال المناجم !. وكأنها لا تعلم أن رواتبهم وتعويضاتهم مجتمعة لاتكفيهم لتوفير الحد الأدنى من طعام وشراب ولأيام معدودة !. وكأنها لا تدري أن قصائد المديح لا تغني عن جوع ، ولا تشتري دواءً ، ولا تدرِّسُ ابنًا بالجامعة !. وباعتقادنا ، حتى تشعر الحكومة بآلام الصحفيين ، وتدري بمعاناتهم وتعرف حالهم المزرية ، ينبغي لهم اليوم وأكثر من أي وقت مضى ، طرق أبوابها بقبضاتهم لا بـ " كبس " زر الجرس ، فهو لن يرن أبدًا لأن الكهرباء مقطوعة وليس عندها طاقة بديلة كما يبدو !.