بقلم : فراس عزيز ديب
قبلَ أيام تناقلَت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لإحدى الشخصيات الغربية يتحدث فيهِ عن الدور البارز والنفوذ الكبير الذي يتمتع بهِ رأس المال السوري في جزيرةِ هاييتي، لدرجةِ أنه قد يكون أحد أعمدةِ الاقتصاد الهاييتي، وبدأت الصفحات السورية تتناقل هذا الفيديو ليسَ من مبدأ التفاخرِ والتباهي فحسب، لكنها وجدته فرصة كالعادة لصبِّ جام غضبها على الحكومةِ السورية متسائلة مثلاً:
لماذا ينجح أصحاب رؤوس الأموال هؤلاء هناك ويفشلون هنا؟ وكيف هربت رؤوس الأموال تلك؟ وغيرها من الأسئلة التي لا نمل من تكرارها كلما سنحت الفرصة، ولأنني لا أثق كثيراً بما أُشاهدهُ على صفحات التواصل الاجتماعي ولكون اقتصاد هذا البلد شبهَ غامضٍ بالنسبةِ لي، حملتُ تساؤلاتي هذه إلى أحد الأصدقاء الفرنسيين الذينَ جمعتني بهِم يوماً «مصلحة عمل» باعتبارنا لا ننتمي للجيل ذاته، مهندس مدني تجاوزَ سن التقاعد بكثير لكنهُ يرفض أن يتقاعد، ساهم بمشروعات كثيرة في الدول العربية وغير العربية بما فيها «جزيرة هاييتي»، للأمانةِ فلقد كان جوابهُ لي صادماً، فعلياً أكد لي هذهِ المعلومة تحديداً فيما يتعلق بالمراكز التجارية الكبرى المملوكة بغالبها لسوريين عبرَ شركاتٍ هاييتية تشكل واجهةً لهذا النشاط أو ذاك، لكن ما أثارَ صدمتي أكثر أن هذا الصديق كان يتحدث بشيءٍ من البرود على غيرِ عادتهِ عندما يتحدث عن نجاحاتِ الآخرين، بدا لهُ كأن الأمر لا يُعد نجاحاً قياساً لحالةِ الانقسام السياسي والاجتماعي التي يعيشها هذا البلد المصنَّف بالبلدِ الأفقر في كلتا القارتين الأميركيتين، بلد يعيش يوم غد مثلاً الذكرى الثانية لمقتل رئيسه جوفينيل مويس بدمٍ بارد في منزلهِ على أيدي مجموعةٍ مسلحة مدعومة من «أجانبٍ» فيما يبدو وكأنه صراع مافيات تجارية واقتصادية وسياسية، طبعاً لا نستطيع القول «عسكرية» لأن البلد أساساً لا يمتلك قوات رسمية، علماً أن الرئيس هناك يُنتخب من الشعب لمدةِ خمس سنوات، والحديث عن حجم الفساد وانعدام الأمن وصولاً إلى استمرارية حالات العبودية المبطنة كاف ليجعلنا نأخذ صورة عن المبالغات التي تصادفنا ولا نحاول التأكد منها، من دون إغفال ما تعانيهِ هذهِ البلاد من كوارث طبيعية تجعلها مصنفة من بينِ الدول الأخطر في العالم، تصنيف يحجب عنها تدفق الاستثمارات إلا إن كانت استثمارات هاربة من جحيم غسيل الأموال أو البحث عن الاستثمار بقصد الحصول على جنسية البلد!
في الخلاصة: أنا هنا لا أُحاول تقزيم أي نجاح، لكن في المقابل لا يمكن لنا انطلاقاً من أي خبر صبَّ جام غضبنا على السياسات الحكومية، على العكس فهكذا تداخل غير عقلاني يساهم في تقزيم القضية التي تدافع عنها، بدلاً من التغني بما أنجزه رأس المال الهارب في دولةٍ كهاييتي لدينا آلاف الإنجازات التي تجعلنا نفخر كسوريين، هل أُحدثك عن أكثر من 100 طبيب سوري في برشلونة مثلاً قبل الحرب وجميعهم يملكون اسماً مميزاً؟ نعم قد تبدو السياسات الحكومية فشلت في الكثير من المواضع بما فيها البيروقراطية التي جعلت الكثير من المميزين «يطفشون» بأي طريقة، ولا أحد يستطيع أن ينكر حجم الفساد الذي باتَ معششاً في زوايا مؤسساتنا الحكومية، لكن هذا لا يعني أبداً أن أي كلام عن إنجازٍ سوري في الخارج قد يكون مدعاة للفخر أو ناتجاً عن الفشل الحكومي، قد يكون هذا الإنجاز مغمساً بالدم أو الفساد أو التعري!
- الوطن أون لاين-