"مقابلة مع السيد آدم".. دراما الرِهان على الجدّة والتشويق

فن وسنيما 19:41 31-05-2020

 

لم يكن “رهان” صنّاع الدراما على الجمهور موفقاً دائماً، ففي أحيان كثيرة تتجه الذائقة العامة نحو المُدهش والغني وغير المتوقع، لكنها بالمقابل لم تميّز في أعمال عديدة بين المرغوب والمقبول وما يقاربه من رداءة وسطحية، تأكيداً على ما هو معروف بأن فكرة “الجمهور عايز كده” ليست بوصلة يمكن الاعتماد على دقة اتجاهاتها في كل الأوقات.
أمّا كيف يغدو هذا “الرهان” ناجحاً، فهو ما حاول القائمون على مسلسل مقابلة مع السيد آدم” تحقيقه في هذا الموسم الدرامي، حيث تحول جمهور العمل إلى نقّاد ومحللين وشركاء في الرؤية الدرامية عموماً، بدءاً من قصة المسلسل وأداء الممثلين، مروراً بما سَموه أخطاء إخراجية ومطمطة في النص.
رغم أن الحكاية كما أخرجها فادي سليم، وكتبها مع شادي كيوان، بعيدة عن المجتمع السوري إذ لم نسمع سابقاً بطبيب شرعي أصبح مجرماً، وتحديداً ما يسمى بـ “قاتل متسلسل”، لكنها استطاعت أن تقدّم توليفة مُحكمة بين ما افترضه الكاتبان وما استندا عليه من ظروف مجتمعية سمعنا عنها أو يمكن القول إنها قابلة للحدوث عندنا، إذا ما قارنّاها مثلاً بقصص قدمها المسلسل الإذاعي الشهير “حكم العدالة” لمؤلفه المحامي الراحل هائل اليوسفي مع عدد من المخرجين، وهي مأخوذة من ملفات القضاء السوري. هكذا استطاع الكاتبان تقديم “جدّة” في العمل الذي يمكن وصفه بـ “البوليسي” ونال كماً كبيراً من المتابعة، حيث اتسمت أحداثه الخارجة عن المألوف بالحفاظ على وتيرة درامية تصاعدية في التشويق، وإن تعثّر هذا الإيقاع السريع عدة مرات بحوارات طويلة وبطء غير مفهوم.
ولأن الذائقة العامة كما بدأنا تتجه نحو كل جديد، فلم يكن لها أن تُهمل أخطاء إخراجية كثيرة تتعلق بتفاصيل دقيقة، كان البعض يسردها على صفحة المسلسل على فيسبوك وغيرها، منها إغفال حقائق بديهية تتعلق بالبحث في هاتف إحدى الشخصيات أو تباين جهة الإصابة بطلق ناري بين المشهد الحقيقي وصورة للإصابة، ويبدو أن هذه الأخطاء وصلت إلى الشخصيات نفسها، في ذروتها التحوّل الهزيل وغير واضح المعالم في شخصية الطبيب الشرعي “آدم”، التي أدّاها الفنان “غسان مسعود”، فمن غير المنطقي أن يتخلى طبيب عن مبادئه وأخلاقياته مهما حصل له ليصبح مجرماً، من دون أن يطرأ تغيير على سلوكه أو تعابير وجهه أو طريقة كلامه، وهذا ضعف إخراجي ظاهر، أيضاً لا معنى لاختيار اسم “فاوستالذي تختلط في سيرته الحقائق والتأليفات، وهو اللقب يختاره الطبيب لنفسه مع بدء الإعلان عن جرائمه عبر الإنترنت، لأن كم المعلومات والأفكار الكبير والمرتبط بهذه الشخصية، غير معروف عند غالبية المشاهدين، والأهم أنّ الجرائم التي ارتكبها الطبيب غير مثبتة، بمعنى أنها ربما لم تحدث أصلاً كما حاول العمل الإيهام بذلك، ومن ثم تحايل عليه بغياب الجثث، وبذلك لا يكون آدم” شريراً باع روحه للشيطان كما يُروى عن “فاوست”!.
ومع كثرة التفاصيل ودقائق الأمور التي يزخر فيها العمل، لا بدّ من تساؤلات عن نقاط عدّة لا مبرر لها، فما الغاية من أن تكون “حياة” ابنة الدكتور، طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، هل هذا يعني محبة أكبر من قبل أبيها أو تعاطفاً من قبل خاطفيها؟، كما لا يوجد قيمة واضحة لجريمة أولى، عُرضت في بداية العمل، ولاسيما أن لا علاقة تربطها بالجريمة الثانية محور العمل الرئيسي، ومن غير المنطقي كذلك أن يقوم “مصطفى” المقيم في بيت الطبيب وابن أخته “الفنان مصطفى المصطفى” بمهام المراقبة لعدد من البيوت والمجرمين دون أن يُثير انتباه أحد أو أن يرتكب أي خطأ، كما لو كان متمرّساً في هذا العمل، ثم من غير المنطقي أن لا يتمكن طبيب على درجة عالية من الذكاء والانتباه من تحديد وقت طباعة تقرير على كمبيوتره الخاص، مقابل كل ما قام به لاحقاً!.
ما يجب الحديث عنه أيضاً، هو الإدارة الجيدة من قبل المخرج لأماكن التصوير بما فيها من إضاءة وحركة كاميرا، كل هذا تكامل مع أداء متقن وموزون للفنانين المشاركين في العمل، من أبرزهم الفنان “أحمد الأحمد” في شخصية المحقق ورد، فمع ما رافقها من غرور ومبالغة في استعراض الذكاء، إلا أنه ترك بصمة مختلفة عما درجت عليه العادة في أداء هذا النوع من الشخصيات في الدراما السورية. كما قدّم الفنان “مصطفى المصطفى” أداءً يستحق التوقف عنده في مشاهد كثيرة ولا نبالغ ربما لو قلنا إن المصطفى أثبت أن معايير السوق الدارجة لصناعة ما يطلقون عليه “النجم” والترويج له كورقة رابحة فنياً باعتباره يتمتع بشكل معين، كلها معايير هشّة وفارغة. كان لافتاً أيضاً أداء الفنان “غسان عزب” على صغر المساحة المعطاة لشخصية أبو عاصم. كل هذا في عمل ممتع، يدخل متاهات الطب الشرعي ويتوغل في عدة جرائم، ممسكاً بعدة خطوط درامية، أمتع المشاهدين، رغم ما أوردناه من إشارات سلبية وأخطاء، تجاوزتها الذائقة العامة مقابل فكرة جديدة وأداء جذّاب، ربما لن تقبل بها في جزء ثان.