القرار (3299) هل يلاحق الفقراء؟!.. خبير: التبرير بمحاربة الإثراء غير الشرعي مبالغ به

شو صاير 09:19 03-12-2021

ليس انتصاراً لمخالفة القوانين، ولا تحريضاً على كسرها والاجتراء عليها، وإنما دعوة لمشرّعيها للنظر في روحها، ومراعاة معطيات المرحلة التي نمر بها، والتي من المفترض أن تلاحق إجراءاتها وقوانينها الأولويات الملحة بشكل حقيقي، وألا تكرّس مفهوم بيت الشعر الذي قيل منذ مئات السنين: يمشي الفقيرُ وكل شيءٍ ضده.
أصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 18/11/2021 القرار 3299، الذي تضمن عدة بنود من ضمنها اعتبار كل شخص يودع بطاقته لدى الغير للاتجار بالمواد المستحقة بها مخالفاً لأحكام المرسوم رقم (8)، وتتراوح عقوبته بين الغرامة المالية والحبس.
هنا نسأل السيد الوزير: على أي أساس تم اعتبار كل من يودع بطاقته لدى الغير، يودعها بغاية الاتجار بها؟ ونسوق له الحالات التالية:
مصدر رزق
أم سيف زوجة ناطور مبنى في إحدى ضواحي دمشق، تقول عندي 10 بطاقات، أعطوني إياها أشخاص ميسورون، لا أتاجر بها، وإنما أجلب لهم مخصصات الخبز والسكر، فيعطوني أضعاف ثمنها الحقيقي لقاء تعبي في الوقوف على الفرن لساعات وأمام المؤسسات، ويتسلم زوجي أسطوانات الغاز ويوصلها إليهم، فيكرموه، إضافة إلى الاستغناء عن مادة الرز التي أحتفظ بها لأسرتي، أي فعلياً معيشتي قائمة على هذه البطاقات، لكن فجأة طلب البطاقات أصحابها، وحين استفسرت عن السبب، تبين أنه الخوف من العقوبة بعد صدور قرار شرحوا لي فحواه.
المدرّس عبد الرحمن مالاتي قال لـ (تشرين): إن بطاقة والديه، إضافة إلى مجموعة من بطاقات سكان المبنى الذي يسكن فيه وأغلبيتهم موظفون، موجودة لدى شخص يقوم بشراء الخبز للجميع الذين لا يملكون الوقت للوقوف على طابور الفرن بالساعات، لكنهم بعد القرار، استرجعوها منه خوفاً من عقوبة ما، وصاروا مضطرين لشراء الخبز بأسعار أعلى بكثير من تجار الخبز المنتشرين في الشوارع، والذين يعرف الجميع – بحسب قوله – إن بعض الأفران تعطيهم كميات كبيرة للاتجار بها دون بطاقات.
متضررون
(تشرين) أجرت استطلاعاً للرأي، شارك فيه مجموعة من مختلف الشرائح، تبين من خلاله أن أكثر من 80% من المستطلعة آراؤهم متضررون من هذا القرار، وتحديداً بموضوع الخبز، وتمنوا على الوزارة استثناءه.
تمهيد لرفع الدعم
ترى الخبيرة الاقتصادية الدكتورة نسرين زريق أن ما يحدث ليس إلا تمهيداً ليكون هناك خبز حر و بنزين حر غير مدعوم تحصد وزارة التجارة الداخلية أرباحه من باب محاربة ارتفاع الأسعار.
وتضيف: طالما هناك طوابير على الأفران، فالقرار يضر شريحة كبيرة بكل تأكيد، ومن يغلق باب عمل، عليه إيجاد بديل حقيقي تعتاش منه الناس، وتتساءل: كيف سيحصل الموظف والعامل – وخاصة في بلد تجبرك ظروفه على العمل في أكثر من مكان – على خبزه إن كان مطلوباً من الجميع الوقوف على كوّة الفرن بالساعات؟ هل يستقيل؟ أم عليه أخذ إجازة لخمس ساعات مثلاً؟ وتؤكد أن ما استدعى صدور القرار ليس استثناءً، ولا اختراعاً سورياً، ففي كل دول العالم، يستطيع من لا يريد الانتظار طويلاً، أن يدفع أكثر للحصول على الخدمة بشكل أسرع، وهذا يسمى (حل ندرة الموارد)، وحدث مثله في سورية عندما تم رفع أجور الحصول على جواز سفر مستعجل.
الربح ليس بالبطاقة
ورداً على من برر القرار بمحاربة الإثراء غير الشرعي، توضح زريق أن التوصيف مبالغ به وفيه ظلم، إذ هناك من يبيع مخصصاته ليحصل على مال يلبي من خلاله حاجات أكثر إلحاحاً، مثل الدواء ربما، أو دفع فاتورة منزلية، أو احتياجات طالب مدرسة، وبالتأكيد ليس من ضمن خططه الإثراء. فبحسبة بسيطة للكميات المحدودة المتاحة من المواد أساساً، فإن من يبيع عشرين ليتراً من البنزين أسبوعياً سيربح 50 ألف ليرة، أي 200 ألف شهرياً، ومن يبيع ربطة خبزه المدعوم يومياً بربح ألف ليرة سيربح 30 ألف ليرة شهرياً، إذاً أين الأرباح الفاحشة؟ وماذا عن أرباح التهريب وأرباح قطع الأدوية وأرباح الفساد؟
وتؤكد الخبيرة زريق أن فتح مجال العمل أمام الناس هو أهم بند في مكافحة الفساد، فمن يستعير بطاقة جاره ويحصل على ربطة خبز إضافية، هو غالباً شخص فقير لا يريد السرقة، والسماح للناس بالعمل بالبضائع القانونية، يساهم في منع أو الحد من توجههم للاتجار ببضائع غير قانونية كالمخدرات مثلاً.
هل نحتمل تكلفة الفرص البديلة؟
وتتوسع زريق في الحديث وتطرح المزيد من الأسئلة: كيف يمكن علاج الأزمة الاقتصادية المحتكمة بارتفاع معدل تضخم أسعار السلع بهذا الشكل، إذا لم ندع الناس يعملون؟ هل ستتم زيادة رواتب القطاع العام لتصبح مليون ليرة مثلاً؟ وماذا عن القطاع الخاص، هل سيجبرونه على تقديم مليون ليرة لموظفيه وهم يجلدونه كل حين بمالية وضرائب وفواتير ترتفع وغيرها؟ وكم ، وماذا سيكلف التضييق على أرزاق الناس؟ وتجيب: سيكلفها الكثير من الجرائم على الأغلب.